الصفحات

إصلاح وإنصاف لا هدم ولا إعتساف في التبليغ سماحة الشيخ يوسف بن عيسى الملاحي


إصلاح وإنصاف لا هدم ولا إعتساف
تأليف

سماحة الشيخ يوسف بن عيسى الملاحي
حفظه الله تعالى


                                                                                       اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
انك حميد مجيد
اللهم
بارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
انك حميد مجيد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي جعل كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم :sa: ميزانا يبين لنا صحيح القول والعمل وفساده , واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له في ذاته ولا في اسمائه وصفاته , ولا في ربوبيته وتصرفاته , ولا شريك له في الوهيته وعباداته وصلى الله وسلم على خير خلقه , المبعوث رحمة للعالمين , وحجة للمؤمنين وحجة على الكافرين , وعلى آله واصحابه الذين كانت اعمالهم واقوالهم تطبيقا لكتاب ربهم وسنة نبيهم :sa: ورضي الله عنهم وارضاهم اجمعين .
أما بعد :-
فقد كثر الخوض والقيل والقال والوقوع في جماعة التبليغ , وهؤلاء الخائضون والواقعون فيهم كثير ، منهم يريدون الخير والنصح للأمة ، ولكنهم لم يسلكوا طريق الإصلاح والإنصاف في حقهم ، فقد وصفوهم بالبعد والإنحراف عن منهج الرسول :sa: ومنهج أصحابه الكرام رضي الله عنهم ، وألصقوا التهم السيئة بكل أفراد الجماعة ، وأنكروا جميع ما لهم من الحسنات والإحسان ،وبعضهم بالغ حتى نظمهم في سلك الفرق الخارجة عن دائرة الإسلام ، وهم بهذا الأسلوب الشائن كأنهم يريدون أن يهدموا من حيث يظنون أنهم يبنون ، ويسيئوا من حيث يظنون أنهم يحسنون .
فما أشبههم بمن رأى بيتاً عالي الذرا ، متين البناء ، في أحسن ترتيب وبهاء جميل المرافق كامل المنافع ، إلا أن به قليلاً من العيوب والخلل والنقص ، في حاجة شيء من الترميم ، ولكن بدل أن يقوم عليه بالإصلاح ويجتهد في إزالة ما به من عيب ونقص وخلل ، ظل يحاول أن يقوضه من أساسه ويطالب سكانه بالخروج منه وهجرانه ، وهو مع ذلك لا يريد أن يقيم على إنقاضه بيتاً أمثل منه ، ولا يفكر أن يبني بجواره بناءً أحسن منه سالماً من النقص والعيوب .
فلذلك كتبت هذه الرسالة مبيناً بعض حسنات منهج الجماعة في الدعوة ولم أبرئهم من وجود السيئات والأخطاء في كثير من أفراد تلك الجماعة .
وإنني أهيب بإخواني المسمين جميعاً أن يقوموا معهم ويصلحوا أنفسهم وغيرهم ، وهل هؤلاء الذين يصفونهم بالعيوب مبرؤون منها إذ أن من المعلوم أن من قام بالعمل واشتغل بالدعوة لا بد أن تنكشف له عيوب كانت بالأمس خافية ، وأما من قعد في بيته وأغلق عليه بابه فلا يرى الناس له عيباً
على أن الأخطاء المنسوبة للجماعة ليست ظاهرة كما أنها ليست موجودة بكل الجماعة ، وعلى فرض ظهورها يجب العمل والتعاون على إزالتها ، فالمؤمن مرآة أخيه ، والنصيحة للمسلمين مفروضة ، وسميت هذه الرسالة ( إصلاح وإنصاف ، لا هدم وإعتساف ) .
هذا ! وأسأله تعالى بمنه وكرمه أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يصلح أحوال المسلمين ويجمع قلوبهم على الحق والهدى والدعوة إلى سبيله وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد فقد اطلعت على مجموعة من مقالات وسمت بأنها (حقائق عن جماعة التبليغ ) وقبل البدء بمناقشة بعض ما تضمنته هذه الأوراق ، وبيان ما فيها من أخطاء ، أو أن أنبه القارئ الكريم إلى حقيقة كبرى قد يغفل عنها الكثير من الناس ، ألا! وهي التثبت والتبين في الأخبار ، وهي من قواعد الشرع الأساسية ، فقد جاء الأمر في الكتاب والسنة بتحري الصواب في الأنباء كقوله تعالى :
:st: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين :end: وقوله تعالى :
:st: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا:end: وكقوله صلى الله عليه وسلم :-
(( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )) في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وذلك أن من الناس من يسارع إلى قبول الأخبار التي يسمعها أو يقرأها من غير أن يكلف نفسه عناء التأكد عن صحتها ، وينسى أن يعمل بهذه القاعدة الأساسية التي أمر الله بها ، وإغفال العمل بها هو الذي حمل كثيراً من الناس على أن يتركوا الحق وأن يقبلوا الباطل حتى بنوا حياتهم عل خلاف الواقع حتى آل الأمر إلى حلول الكوارث والمصائب والعداوة بين بني آدم ، حيث أصبح شياطين الإنس والجن يلعبون بعقول الكثير من الناس ما دام أن هؤلاء السذج من الناس قد أصبحوا على استعداد تام لقبول كلما يذاع أو ينشر فيسلمون لما يسمعون أو يقرؤون ، ويعملون بمقتضاه فكانوا يحسنون الظن بالمصلحين ، فكم سفكت بسبب ذلك الدماء وعبدت الأوثان ، فاعتقد كثير من الناس في أهل القبور أنهم يملكون النفع والضر من دون الله تعالى ، فراجت بينهم البدع والخرافات ، وصرفوا لغير الله أعظم العبادات من الذل والحب والتعظيم والخوف والدعاء والاستغاثة والذبح والنذر إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله الواحد القهار ، وقد تدبرت ذلك ، فحملني على كتابة هذه الكلمات القصيرة خشية أن يصاب من يطلع على هذه الأوراق بسوء الظن في الدعاة ، واستجابة لأخ لي في الله ومحب فيه طلب مني أن أكتب تنيهاً على ما جاء في هذه الرسالة من أخطاء .
وما كان بودي أن أشغل نفسي بذلك لولا إصراره وحرصه لأحقاق الحق وإبطال الباطل فجزاه الله عني وعن الإسلام خيراً .
لقد اشتملت هذه المقالات على أخطاء كثيرة وإن كنا نحسن الظن بمن كتبها وإنه قد يريد الخير بذلك عملاً بالأثر الذي جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :-
( لا تحمل أخاك على الشر ما دمت تجد له في الخير محملة ) .
أو كما قال رضي الله عن :
لكن قد يريد المرء الحق فيخطأ ولذا قال الصحابي الجليل عبد اله بن مسعود رضي الله عنه :-
(( كم من مريد للخير لم يصبه )) .
ولا أريد أن أرد على كل صغيرة وكبيرة ورد ذكرها في هذه الرسائل خوفاً من التطويل ، بل حسبي أن أرد عليها إجمالاً وانبه على بعض الأخطاء المهمة ، وإن كان ذلك كله لا يخفي على المتأمل المتثبت ، فمن تلك الأخطاء جاء فيها ما يدل على :-
1- الحكم بالأخطاء على الجماعة كلها من غير تخصيص وهو بلا شك حكم غير صائب ، فإن كل منصف عرف الجماعة معرفة تامة يعلم بيقين سلامة الكثير منهم مما اتهموا به من البدع والخرافات ، بل كل من مشى معهم وهو متجرد من الهوى لا يكاد أن يثبت أمراً واحداً يخالف الشرع ( بإجماع الأمة ) .
أما كون بعضهم وفدوا من بلاد عرفت بالبدع والشرك ، والجهل والطرق الصوفية ، فيظن أن عند هؤلاء الوافدين أو بعضهم بيعة لبعض شيوخ الطرق والضلال .
فهذا القول في الحقيقة مبني على الظن إلا أن الظن لا يغني من الحق شيئاً .
وليس عن يقين أن كل فرد لديه بيعة .
2- الخطأ الثاني أن هذه المقالات لم تنصف الجماعة ولم تذكر شيئاً من حسناتهم كأنهم مجردون من كل خير فلم يسلك كتابهم مسلك المنصفين الذين كتبوا عنهم وبينوا ما لهم وما عليهم ، بل ذهب بعضهم " عفا الله عنا وعنهم " إلى أن صرح بكفرهم بغير استثناء .
فانظر ما جاء في صفحة (4) .
" ولقد أعلن كفرهم في المساجد وحلق الذكر بالحرم المكي كل مَجْمَع فضيلة الشيخ عبد الله بن سعدي العبدلي الغامدي ، وذلك من قبل خمس سنوات إلى حال التاريخ ، وذكر ذلك لمن اجتمع به من الإخوان في المدينة المنورة وغيرها " .
وبعض هؤلاء الإخوة من تبرع بالكتابة عنهم وصفهم بأنهم زنادقة راجع ص (17) .
وهذا الأسلوب يخالف حكمة الدعوة في الإسلام ، كما يخالف ما عليه أئمة الدعوة وخاصة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، فإنه كان شديد التثبت في الحكم على المدعو عليه ، إذا كان يستعمل الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل .
فانظر ما جاء في الجزء الأول من الدرر السنية ص ( 67.66.15 )
( وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عما يقاتل عليه وعما يكفر الرجل به ) ؟
فأجاب :-
" أركان الإسلام خمسة ، أولها الشهادتان ، ثم الأركان الأربعة ، إذا أقر بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها ، والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ولا يكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم :
وهو الشهادتان وأيضاً نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر .
فنقول :- أعداءنا معنا على أنواع :
النوع الأول :
من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس وأقر أيضاً أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس أنه الشرك في الله ، الذي بعث الله رسوله :sa: ينهي عنه ، ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله ، مع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه ولا ترك الشرك فهو كافر نقاتله بكفره لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه وعرف الشرك فلم يتركه مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس .
النوع الثاني :
من عرف ذلك ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به وتبين في مدح من عبد ( القبور ) وفضلهم على من وحد الله وترك الشرك فهذا أعظم من الأول وفيه قوله تعالى ::st:فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين :end: .
وهو مما قال الله فيه .
:st: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون :end:
النوع الثالث :
من عرف التوحيد وأحبه وأتبعه وعرف الشرك وتركه ولكن يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقى على الشرك فهذا أيضاً كافر فيه قوله تعالى :
:st: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم :end:
النوع الرابع :
من علم من هذا كله ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل التوحيد ، واتباع أهل الشرك وساعين في قتالهم ويتعذر أن ترك وطنه يشق عليه فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بما له ونفسه ، فهذا أيضاً كافر ، فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل ، ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل ، وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وما له مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك فهذا أيضاً كافر ، وهو ممن قال الله فيهم :
:st: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم - إلى قوله - سلطاناً مبينا :end: فهذا الذي نقول .
وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم ، " أنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه وأنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل ومثل هذا وأضعاف أضعافه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله .
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي عل قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل :end: سبحانك هذا بهتان عظيم :end: بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله فرحم الله امرءً نظر نفسه وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى .
ولو استقصينا كل ما ذكر الإمام رحمه الله فيما يدخل في هذا الباب لطال الكلام ، فعلى من أراد الإطلاع الرجوع إلى ما كتب هو وغيره من أئمة الدعوة رحمهم الله في هذا المجال فهل ينطبق على الجماعة شيء مما سبق نقله عن الإمام رحمه الله .
وأما ما ذكر في المقالة الأولى ص (3) عن شيخ جامعة ديوبند وعن الشيخ حسين أحمد رئيس التدريس في دار العلوم ديوبند من عداوة وسبّ لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابيهما فيض الباري ، والشهاب الثاقب فهذا صح فلا شك أنه خطأ فاحش بل محض كذب وبهتان ، نبرأ إلى الله منه ولا يكاد يصدر مثل هذا الكلام من عالم ، ولا شك أنه مبني على جهل تام بحقيقة دعوة الإمام رحمه الله .
وقد سمعت من بعض العلماء الموثوقين أن جامعة ديوبند لما تبين لها صحة ما دعي إليه الإمام رحمه الله اعتذروا عن هذا الكلام السيئ وأصدروا كتاباً يبين موافقتهم لدعوة الإمام رحمه الله ومع ذلك نقول :-
إنه ليس كل من دَرَسَ أو دَرّسَ في جامعة ديوبند يعد من جماعة التبليغ ، وأذكر أنني كنت قد زرت هذه الجامعة عام 1382هـ ورأيت بحمد الله كثيراً من طلابها ينكرون هذه البدع والخرافات القبورية .
وعلى هذا فهل من العدل والإنصاف أن يحمل جماعة التبليغ أوزار كل من تكلم في حق شيخ الإسلام رحمه الله بسوء بقول الله تعالى ::st: ولا تزر وازرة وزر أخرى :end:
ويقول تعالى : :st:كل نفس بما كسبت رهينة :end:
أما ما شوهد من بعض الأفراد أنه يقوم بأذكار مبتدعة كالجشتية أو غيرها من الطرق الفاسدة ، فأنا بحمد الله لم أر هذا في بلادنا طيلة المدة الماضية ، ولو رأيته لأنكرته غير أني رأيت واحداً فقط في الهند أو إثنين قام بهذا الذكر المبتدع فأنكرت عليه ذلك ورفعت أمره إلى المسؤول في الجماعة ، فقال لي إن هذا وأمثاله جديد في الدعوة وسوف يترك هذه البدعة عن شاء الله تعالى إذا تدرب على عمل الدعوة ، فإن من أصول الجماعة المعروفة ترك أي مسألة فيها خلاف ، حتى لا يحصل تفرق في الجماعة ولا شك أن إخفاء المعصية أو البدعة فيه نصر للإسلام واعتراف بأنه مخالف للشرع ، حتى لقد يتساءل صاحب البدعة في نفسه لو كان هذا حقاً لأظهرناه .
على أنه من السهل القيام بواجب الإنكار بالحكمة عملاً بقول الرسول :sa: (( من رأى منكم منكراً فليغيره )) .
أما كونهم هنوداً أو عجماً كما ذكر ذلك بعضهم على سبيل الذم فهذا لا يضرهم ولا يقدح في عقيدتهم إذا كان عندهم الإيمان الصحيح والعمل الصالح مع التوحيد وإخلاص النية واتباع الرسول :sa: والبراءة من الشرك وأهله:st: إن أكرمكم عند الله أتقاكم :end: .
( ولا يخفى أن كثيراً من العجم كانوا أئمة قاموا بخدمة الدين كالإمام البخاري رحمه الله وغيره ) .
وأما المدرسة الصولتية التي جاء ذكرها في إحدى الرسائل فلم يقم بتأسيسها جماعة التبليغ وإنما الذي أنشأها (1) امرأة تدعى صولة النساء ذات ثروة ولهذا نسبت المدرسة إلى اسمها ، ولعل بعض الإخوة المعترضين اطلع في منهجها أو مكتبتها على كتب تتضمن شيئاً من البدع والخرافات على أن تأسيسها سابق لظهور الجماعة وهذا يدل على أن هذا الأخ المعترض لا يكاد يميز بين جماعة التبليغ وعامة مسلمي الهند والباكستان لأنه يراهم كلهم أعاجم .
وأما الأشخاص السعوديون الذين مشوا معهم في فترة من الزمن وناصروهم من العلماء وطلبة العلم فهم إنما قصدوا بذلك نصرة الحق ونشر التوحيد ومحاربة الشرك والبدع والمعاصي ، إذ من المعلوم لدى الجميع أن الجماعة يسيرون في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .
وأنهم يتجنبون كل ما من شأنه أن ينفر الناس عن الإسلام وإذا أخروا الإنكار فليس معنى ذلك أنهم يسكتون عن المنكر ولكنهم يتحينون الفرص المناسبة لذلك .
وفي حسن أسلوبهم من جذب الناس عن المعاصي والبدع إلى الإسلام والتوحيد بل إلى المشاركة في الدعوة ما هو معلوم عند الكثير من الموافقين والمخالفين حتى إنك لترى كثيراً من الواقعيين في المعاصي الذين كانوا يشغلون الحكومات بالجرائم والإخلال بالأمن عندما يرافقونهم ويعيشون معهم في البيئة الصالحة ينقلبون رأساً على عقب فيصبحون دعاة إلى كتاب الله وسنة رسوله :sa: ويضحون بأموالهم وأوقاتهم في سبيل الدعوة إلى الله تعالى حسب استطاعتهم .
وبناءً على ما ذكر فلماذا يساء الظن بمن مشى معهم أو ناصرهم ويتهم بأنه يريد أن ينصر البدع والضلال ، ولماذا لا نحسن الظن بالعلماء وطلبة العلم بأنهم إنما يريدون من السير معهم إصلاح أنفسهم وأمتهم ونصرة الحق ، وهل يسوغ لنا شرعاً أو عقلاً أن نقع إعراض الدعاة من أجل أن بعضهم جاء من بلاد فيها بدع وخرافات ، ولماذا لا نجري على الظاهر كما جاء في الأثر الصحيح عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : -
" إن أناساً كانوا يأخذون بالوحي في عهد رسول :sa: وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة " رواه البخاري .
وكما جاء في الحديث الصحيح في قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه في قتله للرجل بعد أن قال لا إله إلا الله وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة وكما صح من قول عمر رضي الله عنه :-
" لا تحمل أخاك على الشر ما دمت تجد له في الخير محملاً " أو كما قال :
إن أغلب إنكار من ينكر على هؤلاء الدعاة مبني على الظن وقد قال تعالى ::st: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم :end: ... الآية .
وفي الآية الأخرى :st: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً :end:
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول :sa: (( اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا )) .. الحديث .
أما ما ذكر بعضهم من النذر لقبورهم او جمع النذور والزيارة الشركية او البدعية لهم , فنحن لم نعلم ذلك وان ثبت شيء من هذا فاننا نبرأ الى الله منه , وعلى من رأى شيئا من هذا ان يبادر بالانكار , ولا يجوز له السكوت .
والقبور المشار اليها هي اربعة في مبنى مركز , الدعوة خلف المسجد والداخل للمركز الغريب لا يكاد يشعر بوجود قبور فيه اذ لم يبني عليها ولم يظهر لنا شيء من المنكرات حولها أن كنا نرجو الله سبحانه وتعالى ان يلهم مشايخ الدعوة فصلها عن المركز وإن كما الهمهم عدم البناء عليها وتغطيتها كما هو الحال في اكثر بلاد المسلمين .
أما قول أحداهم في آخر ص (4 ) ،
( كاتبت يوسف الملاحي وكتب لي أن أكتم موضوع الهنود )
فأنا لاأذكر هذا ولقد كان يجب عليه أن يذكر كل كلامي الذي كتبت له إن صح ما يقول ولا يحل له ان يذكر بعضه ويترك البعض الاخر فيكون بمنزلة من يقرأ ( ويل للمصلين ) ويسكت عن باقي الاية .
وخطاء التي وردت في هذه المقالات أن كتابها إذا رأوا خطأ صدر من واحد يحكمون به على الجميع أفراد الجماعة وهذا خلاف ما دلت عليه قواعد الشريعة من أنه لا يجوز أن نحكم على الكل بما يصدر من الجزء
:st: كل نفس بما كسبت رهينة ::end: و:st: ولا تزر وازرة وزر أخرى :end:
فإذا وقع من بعض مشايخهم أو افرادهم فلا يجوز أن نعمم الحكم على الجميع .
وليعلم كل واحد أننا لا نبرىء منهج الجماعة أو أفرادها من العيوب بل يرد عليهم من الخلل والنقص ما يرد على غيرهم من البشر كما أننا لا نستطيع أن نبرئهم كلهم من البدع والخرافات التي لم تظهر لنا ، بل نقول يحتمل أن عند بعضهم شيئاً من ذلك يفعله سراً لا نقطع بنفي .
ولا إثبات ، ولا يجوز أن ننسب جميع العيوب كل الجماعة ألا ببرهان
وكل ما جاء ذكره بهذه الرسائل من العقائد الفاسدة والبدع إذا صح
وجودها في بعض الجماعة فنحن نبرأ إلى الله منها وننكرها ونرجو الله
تعالى أن يساعد المصلحين على تغيرها ولكن مع ذلك أقول لهولاء
الاخوة المعترضين عليهم أليسوا ( أعني جماعة التبليغ ) من المسلمين ؟
إلا يجب نصحهم عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) الحديث .
وعلى فرض أن كل ما قيل عنهم من الخرافات والانحراف صحيح .
فهل يجوز تركهم يتخبطون في ضلالهم ، ألا يجب على العلماء وطلبة العلم أن يقوموا بإرشادهم وتوجيهم إلى العمل بالكتاب والسنة وترك البدع .
إذ أقام بعض العلماء أو طلبة العلم لتعليمهم العقيدة الصحيحة وأرشادهم فهل يجوز أن نسيء الظن بهؤلاء الناصحين ، ونقول إنهم انحرفوا معهم وصاروا مثلهم في الضلال والبدع ؟ أم يظن هؤلاء الاخوة المعترضون أن الدعوة منحصرة في السب والشتم وقذفهم بما يتهمونهم به
من الكفر والزندقة ظنا منهم أن هذا يكفي وتبرأ به الذمة .
وقد مر بنا كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه لا
يجوز تكفيرهم إلا بعد قيام الحجة عليهم وإصرارهم على الباطل . ونحن لا ننكر وجود البدع والخرافات والوثنية في الهند والباكستان وغيرهما من بلدان المسلمين , حاشا البلاد التي تأثرت بدعوة الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقد طهرها الله تعالى من ذلك , ولكن لا يجوز ان نحكم بهذا على جميع أفراد المسلمين فهو موجود في الجملة .
أصناف المسلمين في الهند وباكستان
ولهذا أرى انه من المفيد , حيث تطرقنا الى هذا الموضوع أن أبين اصناف المسلمين اهل السنة في الهند والباكستان فهم ينقسمون الى خمسة اقسام :-
1- اهل الحديث :
وهم غير متمذهبين بمذهب من المذاهب المعروفة وهم بحمد الله بعيدون عن البدع والخرافات بل يأخذون من الكتاب والحديث .
2- الديوبنديون :
نسبة الى جامعة ديوبند في الهند , والبدع عن هؤلاء قليلة جدا , لكن تبين لي ان بعض مشايخهم قد يعطي البيعة على بعض الطرق الصوفية وكثير من المسلمين هناك لا يعرفون شيئا عن هذه الطرق .
3- الندويون :
وهم يشبهون الديوبنديين الى حد كبير .
4- البريلوية :
وهؤلاء غلاة وعقائدهم في رسول:sa: وفي الاولياء فاسدة جدا وعندهم الشرك الاكبر المخرج من الملة بل شركهم تجاوز الاشراك في الالوهية الى الشرك في الريوبية لاعتقادهم ان الرسول:sa: ومن دونه من الاولياء يعلمون الغيب , وان لهم قدرة غيبية وتصرفات كونية , وانهم يملكون الضر والنفع من دون الله الى غير ذلك من انواع الشرك والبدع . وقد ذكر بعض العلماء وهو احسان الهي ظهير في كتابه البيرلوية عقائد وتاريخ في ص (194) ان هؤلاء البريلوية قد ادمجوا كلا من الديوبنديين والندويين واهل الحديث والوهابية تحت اسم واحد هو الوهابية ويحرمون عليهم دخول مساجدهم .
والدعاة من جماعة التبليغ يصفون البريلوية بأنهم أهل بدعة وشرك . وقد سألت بعض الدعاة في مدينة فيصل آباد هل اعمال الدعوة تقام في كل المساجد ؟ فأفادوا بأنها تقام الا في مساجد البريلوية وقال انهم ينكرون علينا الكلام على توحيد الالوهية .
5- جماعة الذكريين :
هؤلاء قليلون بالنسبة الى من قبلهم لكنهم اسوء منهم ويزيدون سوءا لانهم لا يقيمون الصلوات في مساجدهم يعتقدون أن أذكارهم البدعة تكفيهم عن صلاة مستدلين بفهم خاطئ في قوله تعالى : ( وأقم الصلاة لذكري ) إلا أن كثيرا منهم عادوا إلى إقامة الصلاة في المساجد بسبب اجتهاد جماعة التبليغ عليهم والباقون إنشاء الله في طريقهم إلى العودة للإسلام وكل هذه الأقسام على مذهب أبي حنيفة رحمه الله ما عدا أهل الحديث .
وأما جماعة التبليغ فهم مؤلفون من جميع فرق المسلمين أهل السنة على اختلاف مذاهبهم وبلادهم والوانهم ولغاتهم من عرب وعجم غير ان مؤسسي الدعوة من الديوبنديين .
ولا يخفي كثرة الدعايات المضللة ضد الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واتباعه , حتى اصبح كثير من الناس يكفرونهم عمدا أو جهلا وتقليدا او يتهمونهم بأنهم يبغضون الرسول:sa: ويبغضون الاولياء والصالحين .
فإذا جماعة من هذه البلاد التي عرفت بان كثيرا من اهلها يكفروننا تبعا للامام , ولا يطيقوا ان يسمعون منا كلام التوحيد تعصبا وجهلا فجائنا منهم جماعة وفتحوا لنا صدورهم , وقالوا لنا انتم من خيرة المسلمين أهل التوحيد , وانتم من ابناء الصحابة فقوموا معنا لنشر الاسلام والتوحيد في ربوع العالم , واعترفوا مع ذلك على انفسهم بالقصور في العلم وانهم مستعدون لقبول النصيحة فما هو الواجب علينا نحوهم وبماذا نقابل هذا الكلام ؟
انقول لهم انتم كفار مشركون اذهبوا لا نمشي معكم ولا نناصركم لان بلادكم فيها شرك ووثنية وبدع وهم مع ذلك يقولون تعالوا معنا إلى بلادنا وعلمونا ما يخفي علينا وخذوا منا ما يوافق الشرع .
نعم!
عندهم مناهج وأصول ظاهرة من الكتاب والسنة يسيرون عليها وهذه الاصول مشتملة على التوحيد والعبادات الصحيحة والدعوة إلى الله تعالى وغير ذلك من ضروريات الدين ونبذ المسائل التي فيها سب العلماء وولاة أمور المسلمين ، لأجل أن تجتمع الكلمة ولئلا يقع نفرة وتفرق في الجماعة وليس معنى ذلك السكوت عن المنكر ولكنهم يرون أن الرفق في الدعوة إلى الله وإزالة المنكر هو الذي يحقق القبول بإذن الله عملاً .
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :-
(( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ومالا يعطي على ما سِواه )) رواه مسلم .
وغيره من الأحاديث بهذا المعنى كثيرة .
ومن أساليبهم التربوية في الدعوة إلى الله يطالبون المدعوين بالخروج معهم من الزمن تتفق مع ظروفهم حتى يتهيأ للمستجدين في الدعوة أن يعيشوا معهم في بيئة صالحة لكي يحصل لهم التأثر بالدين ويتمكنوا في هذه الفترة من القيام بالأعمال الصالحة حتى يسهل التخلي عن العادات السيئة التي اعتدوها فهم يعتبرون هذا الخروج وسيلة وتفرغاً لاصلاح أنفسهم وإصلاح غيرهم وليس الخروج غاية لذاته ولهذا تجد الكثير من الخارجين معهم تتغير حياتهم وبالتالي ينقلبون دعاة إلى الله تعالى بعد أن كانوا بعيدون عن الدين .
والذي يظهر من كلام هؤلاء الأخوة المعارضين لدعوتهم أنهم يتصورون أن المنهج الصحيح في الدعوة هو القائم على العنف والخشونة وعدم الرفق والشفقة في شأن المدعوين وأن أخذهم بالرفق واللين يعد مخالفاً للحكمة ومداهنة ويريدون من جمع الدعاة أن يطبقوا هذا الأسلوب في الدعوة أسلوب الشدة ، وإلا فهم متهمون بالمداهنة والتهاون في تغير المنكر ، ظناً منهم أن العنف في الدعوة هو الصواب وما عداه خطأ .
ويا ليتهم عذروا إخوانهم الدعاة الذين اختاروا منهجاً في الدعوة يقوم على الرفق واللين والعطف على المسلمين لقوله تعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما أرسلهما إلى فرعون :
:st: فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى :end: ولقوله تعالى :
:st: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن :end: :st: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك :end:
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم :-
(( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه )) رواه مسلم
والظاهر لمن يتأمل أحوال جماعة التبليغ أنهم ما يريدون بدعوتهم الخير والنصح لنفسهم وللمسلمين عامة ، وأنهم لا يريدون ببذل جهدهم إلا الإصلاح وليسوا معصومين من الخطأ ، لكنهم يعتقدون جازمين أنهم على الحق طالما انهم يدعون الناس الى التمسك بالكتاب والسنة , والرجوع الى ما عليه سلف الامة كيف لا !
وهم يعلنون دائما قائلين :- ( ان فلاحنا ونجاحنا في الدنيا والاخرة بامتثال اوامر الله تعالى على طريق رسول الله )
ولا بد ان نضع في حسابنا ان مشاربهم تختلف عن مشاربنا فلم يقيض لهم ما من الله به علينا من دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله ولا الارتواء من منهل علماء عاملين مثل شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى .
ولكن الذي يغلب الظن .
( والغيب لله حده ) ان من كان يبذل ماله ووقته وفكره في خدمة الاسلام و يقوم بهذه التضحية العظيمة ولا يطلب من الناس جزاء ولا شكورا اقتداء بالانبياء عليهم السلام اذ يقولون كما حكى الله عنهم في كتابه :( وما اسألكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين ) .
فالذي يغلب على الظن ان من كان هذا شأنه انه يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الاخرة كما هو ظاهر حالهم , وان من كان كذلك فانه , اذا وفقه الله تعالى يقبل الحق اذا تبين له انه على خطأ في بعض ما يتصوره صوابا وهذا ما لمسناه ,
ثم يقال لهؤلاء الاخوة المعارضين :-
(( هبوا اننا نحن وانتم جميعا على الحق وهم على الباطل , فلماذا نخاف على عقيدتنا من مخالطتهم وهم لا يخافون منا اليس الحق يزهق الباطل يقول تعالى :
:st: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق [ ... الاية .
ويقول تعالى ايضا :
:st: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون :end: فهل كان معهم سلطة وقوة يقسرون بها الناس على اتباعهم كما هو الحال في أعداء الرسل والمؤمنين , حينما عجزوا عن دفع الحق الذي جاؤا به بالحجة والبرهان , عمدوا الى القتل والتشريد كما قص الله سبحانه علينا في كتابه العزيز من اخبار الامم المكذبة لرسلهم وكما حصل لكثير من المصلحين من الاذى والاستهزاء والاتهامات الكاذبة .
فاذا كنا على الحق بيقين نستند الى الكتاب والسنة وهم على الباطل أهل بدع وخرافات وشركيات ولا سند لهم صحيح من كتاب ولا سنة على معتقداتهم الفاسدة , على تقدير وفرض صحة كل ما ينسب اليهم من الضلال لكان المفروض ان يخافوهم منا لا نحن منهم .
انني اعرف انا وغيري ان كثيرين كانوا منحرفين عن سبيل الهدى وبعيدين عن محيط العلم والاصلاح بل بعضهم فد تورط في بؤرة الإلحاد ( والعياذ بالله ) فلما تأثروا بدعوة هؤلاء الجماعات وعاشوا معهم مدة من الزمن تغير نظام حياتهم , فشاهدنا الكثير منهم إلتحقوا بالمعاهد الدينية والجامعات الاسلامية وتتلمذوا على العلماء ودرسوا كتب الدعوة التي نشرها اتباع شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
نعم !
قد تأثر كثير من الخارجين معهم فيرجع مستفيدا متأثرا بحياة الرسول :sa: وبحياة الصحابة رضوان الله عليهم وقد يرجع القليل من الناس بلا فائدة , لانه ما كان ينظر في الحقيقة اذا مشى معهم الا الى اسوأ ما يظنه بهم ويرفض قبول الصالح من عملهم .
على انني طيلة مدة خروجي مع الجماعة لم اتكلم بحمد الله بكلام يخالف مدلول (لا اله الا الله ) ولا اعلم احدا ايضا من طلاب العلم الذين خرجوا معهم من البلاد السعودية تكلم بكلام يخالف عقيدة الشيخ الامام ( رحمه الله ) وهو ما يوافق الكتاب والسنة , بل كلامنا كله بحمد الله يدور على كلمة التوحيد فيما يتعلق باخلاص العبادة لله وحده , وانه ليس معناها توحيد الربوبية فحسب , فانه من المعلوم بيقين ان مشركي العرب .
(( فأعلم ان الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان كما في قوله تعالى :
:st: قل أعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس :end: وكما يقال :
( رب العالمين واله المرسلين )
وعند الافراد يجتمعان كما في قول القائل :- من ربك ؟ مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله تعالى :
:st: انما الصدقات للفقراء والمساكين :end: ونوع واحد في قوله صلى الله عليه وسلم :
(افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد الى فقرائهم )اذ ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر (( من ربك )) معناه :
من الهك لانه الربوبية التي اقربها المشركون ما يمتحن احد بها .
وكذلك قوله تعالى :
:st: الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله :end: وقوله تعالى:
:st: قل أغير الله ابغي ربا :end: وقوله تعالى :
:st: ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا:end: فالربوبية في هذا هي الالوهية ليست قسيمة لها عند الاقتران فينبغي التفطن لهذه المسألة )) .
(( يؤتي الحكمة من يشاء ))
ان من عاشر هؤلاء الدعاة وسبر احوالهم وتعرف على منهج دعوتهم شريطة ان يكون متجردا من الاهواء ومن المؤثرات الخارجية وقصد بذلك طلب الحق , يرى العجب العجاب , يرى كيف يقوى ايمانه وكيف يستجيب الناس لهم بسرعة , فلا يخالجه ادنى شك ان الله تعالى اتاهم الحكمة في الدعوة الى الله تعالى .
ومن الاسباب المهمة الجالبة للحكمة التخلي عن جميع المشاغل والتوجه بالخروج بكليته طلبا لمرضاة الله تعالى والدار الاخرة وتفرغا لاصلاح النفس وعامة الناس مدة من الزمن تكثر او تقل حسب الاستطاعة , مع بذل الوسع من الدعاء والتضرع الى الله تعالى بطلب الهداية له ولغيره .
ولا يعني ذلك ان الخارج في سبيل الدعوة الى الله تعالى يضيع اهله ويهمل اولاده , أو يخالف والديه أو يترك وظيفته أو اسباب معيشته , والمسافر لاعمال تجارته او للمعالجة الا ان من يجهل حقيقة هذه الدعوة ( وما اكثرهم ) حتى بعض المتدينين الحريصين على هداية الناس قد يستغرب ذلك وقد يعتبره بدعة في الدين , او اهمالا وتضييعا للمسؤولية .
والواقد انه ليس تضييعا ولا بدعة وانما هو من المصالح اللازمة لاصلاح نفسه واصلاح المسلمين ولكن العيب الوحيد في هذا الخروج هو انه ثقيل جدا على النفس لانه يعرض نفسه لتحمل المشقات وهجر الراحة والملذات ومفارقة الاهل والمألوفات ويكلف تضحية بالمال والفكر والجهد والأوقات .
والغاية من ذلك ان يجاهد الخارج نفسه وشيطانه ودنياه حتى يكون امر الدين والاخرة اهم عنده من كل حظوظه النفسية ويكون مرضاة الله مقدمة على النفس فما دون . وقد خرج النبي :sa: الى الطائف لدعوة اهلها واصابه من المشقة ما اصابه وهكذا ارسل القراء السبعين الى بعض قبائل العرب لتعليمهم وتثقيفهم في الدين , فغدروا بهم وقتلوهم والاصل في هذا قوله تعالى :
:st: فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون :end:
(( هو جهاد ))
وقد قال شمس الدين الامام ابن القيم رحمه الله ما معناه :-
ان الجهاد يشمل امورا كثيرة ولكن اهمها واعظمها أربعة :
جهاد النفس والهوى والشيطان والدنيا :-
فاذا انتصر المسلم عليها انتصر على عدوه الخارجي , واذا انتصرت هي انتصر عليه عدوه الخارجي .
بقى ان نعترف بحقيقة واقعة وهي ان المجتمع في بلادنا وان اسلمت عقيدته (بجمد الله ) من الانحراف الذي وقع فيه اهل الكلام وتحرر من التعلق بالاموات واصحاب القبور من الانبياء والاولياء الصالحين وكذلك التحرر من البدع والخرافات والطرق الصوفية وذلك بسبب ما من الله به علينا من دعوة الاصلاح التي قام بها شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب وناصرها الامام محمد بن سعود واتباعهما رحمهما الله .
بأننا مع الاسف اصبح الكثير منا مؤثرا الدنيا على الدين متخذا الهه هواه على علم ليس عنده مبالاة اعداء لله تعالى حتى ضعف اوثق عرى الايمان في نفسه ( وهو الحب في الله والبغض في الله ) واهمل الكثير منا امر الدعوة الى الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الصحيح .
كما وهي في نفوس الكثير منا اساسا العبادة وهما كمال الحب لله وكمال الذل لله تعالى.
وهذا الواقع المر الموجود لدينا هو لا شك موجود مثله او اكثر منه في بقية الاقطار الاسلامية على ما عندهم من الشرك والبدع والخرافات الظاهرة .
(( وتعاونوا على البر والتقوى ))
لا شك ان النقص والعيب من لوازم البشر وكل انسان له حسناته وسيئاته فاذا حصل التعاون بين هؤلاء الدعاة من هذه البلاد ومن غيرها نتج من ذلك باذن الله خير كثير ونفع عميم اذ كل واحد من الدعاة عنده عيوب ومزايا صالحة واذا التقينا في ميادين الخير والدعوة الى الله تعالى وتم التناصح والتعاون زالت العيوب او قلت واختفت .
ولا يخفي ان كثير من المنحرفين يرى نفسه على حق وغيره على باطل فاذا خالط اهل الحق تبين له الخطأ .
واحب ان اختم هذه الكلمات المختصرة ببيان موجز عن المنهج الذي يسير عليه هؤلاء الجماعة فمدار الدعوة على ست حقائق :-
1- الايمان وتحقيق الشهادتين .
2- الخشوع في الصلاة .
3- العلم والاذكار المسنونة .
4- اكرام المسلمين .
5- تصحيح النية .
6- الدعوة الى الله تعالى .
وليس المراد حفظ هذه الكلمات باللسان فقط وانما المراد ان تكون هذه الكلمات صفات راسخة في القلب واللسان والجوارح وان من الوسائل لتحصيلها التفرغ والخروج في سبيل الدعوة الى الله مدة طويلة أو قصيرة , حتى تتحقق هذه الصفات ويظهر اثرها في الحياة الخاصة والعامة فاذا وجدت في الشخص حقيقة هذه الصفات فلا بد ان توجد سائر الصفات التي كان عليها رسول الله :sa: واصحابه رضي الله عنهم .
على ان بعض هذه الصفات تشمل أمورا كثيرة فمثلا (( كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله )) وصفة العلم والعمل مع الاذكار المسنونة لا يكاد يخرج عنها شيء من بقية شرائع الاسلام كالصلاة والزكاة والحج واركان الايمان والاحسان وكافة الطاعات وترك جميع المعاصي ولكن من اسباب اختيار هذه الصفات ان الحاجة ماسة اليها في كل وقت كما لا يخفي على المتأمل .
والحقيقة انه لا يستطيع ان يتعرف احد على المزايا التي يسير عليها الجماعة الا بمصاحبتهم مدة طويلة من الزمن بقصد الاستفادة والافادة مع التجرد من الهوى ليتم الاطلاع على جميع الاحوال الظاهرة والباطنة , ويرى كيف ان الخارجين يقضون اليوم والليلة في اربعة اشياء في الدعوة الى الله ( وهي منظمة على اقسام ) وفي التعليم والتعلم بانواعه وفي العبادات بانواعها وفي الخدمة فليس في استطاعة أي احد ان يتعرف على حقيقة اعمال الجماعة والمناهج التي يطبقونها من تنظيم العمل بالشورى والاصول والاداب المستمدة من الكتاب والسنة , التي تجري في الخروج الا بمعاشرتهم ومصاحبتهم وقتا كافيا حتى يكون على بصيرة من امرهم وعلى ضوء ذلك يتمكن من الوصول الى اصدار الحكم لهم وعليهم .
أما من حاول ان يحكم عليهم بحسب ما يسمع من الناس الذين يمدحون او يقدحون فسيكون حكمه ناقصا , لماذا ؟ لانه حكم على غير بينة تامة ولا تصور صحيح .
على ان اعمال الجماعة كلها ظاهرة مكشوفة ومعلنة امام انظار جميع الناس كما قيل:-
فسرى كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلى مثل ضوء نهاري
وهم دائما وابدا يطالبون المسلمين جميعا على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم وثقافتهم ان يشاركوهم في هذا العمل ( عمل الدعوة الى الله تعالى وما يتعلق بها ) وان يصححوا اخطاءهم ( والحق ضالة المؤمن ان وجده فهو احق به ) .
هذا !
واسال الله تعالى ان يلهمنا رشدنا ويقينا شرور انفسنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه والا يجعله ملتبسا علينا فنضل وان ينصر دينه ويعلي كلمته وان يجعلنا جميعا من انصار دينه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين واتباعه الى يوم الدين امين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق