الصفحات

الدعوة إلى الله وإلى رسوله حب الدعوة والشغف بها حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمان جميع الناس

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }   
اسم الكتاب حياة الصحابة { رضى الله عنهم }
مؤلف الداعي كبير الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي 1335هـ / 1917 ــ1965م،
 تنقل كثيراً في طلب العلم أولاً، وفي نشر الدعوة ثانياً، زار السعودية عدة مرات حاجاً، والباكستان مؤلف كتاب الشيخ أماني الأخبار وهو شرح معاني الآثار للطحاوي، وكتابه الشهير حياة الصحابة

باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله
كيف كانت الدعوةُ إلى الله وإِلى رسوله صلى الله عليه وسلم أحَبَّ إلى النبي عليه السلام وإلى الصحابة رضي الله عنهم من كل شيء وكيف كانوا حريصين على أَن يهتديَ الناس ويدخلوا في دين الله وينْغَمسوا في رحمة الله وكيف كان سعيهم في ذلك لإيصال الخلق إِلى الحق.

باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله حب الدعوة والشغف بها حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمان جميع الناس

أخرج الطبرني عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } (هود: 105) ونحو هذا من القرآن قال: (إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أَن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى، فأَخبره الله عزّ وجلّ أنّه لا يؤمن إِلا من سبق له من الله السعادةُ في الذِّكْر الأَول، ولا يضلُّ إِلا من سبق له من الله الشقاء في الذِّكْر الأَول، ثم قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم {طسم تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السَّمَآء ءايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } (الشعراء: 1 ــــ 4). قال الهيثمي رجاله وُثِّقوا إِلا أَنَّ عليَّ بن أَبي طلحة قيل لم يسمع من ابن عباس. انتهى.

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على قومه عند وفاة أبي طالب

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لمّا مرض أبو طالب دخل عليه رَهْط من قريش فيهم أَبو جهل فقالوا: إِنَّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثتَ إِليه فنهيتَ. فبعث إِليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أَبي طالب قَدْرُ مجلسِ رجلٍ، قال: فخشي أبو جهل ــــ لعنهُ الله ــــ إِنْ جلس إِلى جنب أبي طالب أَنْ يكون أَرقَّ له عليه؛ فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قربَ عمِّه فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أيْ ابن أخي، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول؟ قال: وأَكثروا عليه من القول. وتكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمّ إِنِّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها؛ تَدينُ لهم بها العرب وتُؤدِّي إِليهم بها العجمُ الجزيةَ» ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعمْ وأَبيكَ عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أَبو طالب: وأَيُّ كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم «لا إِله إِلا الله»، فقاموا فَزِعين ينفِضُون ثيابهم وهم يقولون: {أَجَعَلَ الاْلِهَةَ الهاً واحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْء عُجَابٌ } (ص: 5)، قال: ونزلت من هذا الموضع ــــ إِلى قوله: {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (ص: 8). وهكذا رواه الإِمام أحمد والنِّسائي وابن أَبي حاتم وابن جرير كلهم في تفاسيرهم، ورواه الترمذي وقال: حسن، كذا في التفسير لابن كثير ؛ وأَخرجه البيهقي أَيضاً والحاكم بمعناه وقال: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح ا هـ.

عرضه صلى الله عليه وسلم الكلمة على أبي طلب عند وفاته

وعند ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما ــــ كما في البداية ــــ قال: لمّا مَشوا إِلى أَبي طالب وكلَّموه وهم أَشراف قومه: عُتبةُ بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأَبو جهل بن هشام، وأُميةُ بن خَلَف، وأبو سفيان بن حَرب، في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إِنَّك منَّ حيث قد علمتَ، وقد حضرك ما ترى، وتخوَّفنا عليك، قد علمتَ الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادْعه فخذْ لنا منه وخذْ له منّا ليكفَّ عنا ولنكفَّ عنه ولْيدَعْنا وديننا ولْنَدَعه ودينه.
فبعث إِليه أَبو طالب فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أَشراف قومك قد اجتمعوا إِليك ليعطوك وليأَخذوا منك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم كلمة واحدة تعطونها تملكون به العرب وتَدين لكم بها العجم»، فقال أبو جهل: نعم وأَبيك وعشر كلمات، قال: «تقولون: لا إِله إلا الله، وتخلَعون ما تعبدون من دونه» فصفَّقوا بأَيديهم، ثم قالوا: يا محمد، أَتريد أَن تجعلَ الآلهة إِلهاً واحداً؟ إِنَّ أمرك لعجبٌ قال ثم قال بعضهم لبعض: إِنَّه ــــ والله ــــ ما هذا الرجل بمعطيكُم شيئاً مما تريدون، فانطلِقُوا وامضُوا على دين آبائكم حتى يحكُم الله بينكم وبينه، ثم تفرَّقوا.
قال: فقال أبو طالب: الله يا ابن أخي، ما رأيتك سألتهم شططاً، قال: فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فجعل يقول له: أَيْ عم، فأنت فقُلْها إستحلُّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي. والله لولا مخافةُ السُبَّة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأَن تظنَّ قريش أني إِنما قلتها جَزَعاً من الموت لقلتها، لا أقلها إلا لأسرَّكَ بها.. فذكر الحديث.. وفيه راوٍ مبهم لا يُعرف حالُه.

وعند البخاري عن ابن المسيِّب عن أبيه أنَّ أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: «أيْ عم، قل: لا إله إلا الله كلمةً أحاجُّ بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملَّة عبد الطلب؟ فلم يزالا يكلِّمانه حتى قال آخر ما كلَّمهم به: على ملَّةِ عبد المطلب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأستغفرنَّ لك ما لم أُنَه عنك» فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (التوبة: 113) ونزلت: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (القصص: 56)، ورواه مسلمك. وأخرجاه أيضاً من طريق آخرَ عنه بنَحْوِه وقال فيه فلم يزلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال: على ملَّة عبد المطَّلب، وأبى أن يقول: «لا إله إلا الله» فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أمَا لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»، فأنزلَ الله ــــ يعني بعد ذلك ــــ فذكر الآيتين.

وهكذا روى الإمام أحمد ومسلم والنِّسائي والترمذي عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لم حضرتْ وفاةُ أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمَّاه قُلْ: لا إِله إِلا الله أشهدْ لك بها يوم القيامة»، فقال: لولا أنْ تعيِّرني قريش يقولون: ما حمله عليه إِلا فزعُ الموت لأقررتُ بها عينك، ولا أقولها إِلا لأُقرَّ بها عينك؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (القصص: 56)، كذا في البداية .

إنكاره صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعوة إلى الله
وأخرج الطبراني والبخاري في التاريخ عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاءت قريش إلى أبي طالب... فذكر الحديث كما سيأتي في باب تحمُّل الشدائد وفيه: فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، والله ما علمتُ إِنْ كنت لي لمطاعاً، وقد جاء قومك يزعمون أنَّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإنْ رأيت أن تكفَّ عنهم. فحلَّق ببصره إلى السماء فقال: «والله ما أنا بأقدرَ أنْ أدَع بعثتُ به مِنْ أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار». وعند البيهقي أنَّ أبا طالب قال له صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، إِنَّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك ولا تحمِّلْني مِنَ الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكففْ عن قومك ما يكرهون من قولك، فظنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ قد بَدَا لعمه فيه، وأنَّه خاذلُه ومسلمُه وضَعفُ عن القيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمّ، لو وُضعت الشمسُ عن يميني والقمرُ في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهرَهُ الله أو أهلِكَ في طلبه»؛ ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ــــ فذكر الحديث كما سيأتي.

وأخرج عبد بن حُمَيد في مسنده عن ابن أبي شيبة بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اجتمع قريش يوماً فقالوا: أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرنا وعاب ديننا، فليُكلمْهُ، وينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غيرَ عُتبة بن ربيعة؛ قالوا: إئتهِ يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن كنتَ تزعم أنَّ هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنَّا ــــ والله ــــ ما رأينا سَخْلة قط أشأم على قومه منك، فرقتَ جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعِبتَ ديننا، وفضحتَنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أنَّ في قريش ساحراً وأنَّ في قريش كاهناً والله ما ننتظر إِلا مثلَ صيحة الحبلى أنْ يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإنْ كان إنما بك الباه فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجكَ عشراً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فَرغت؟» نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم، حم. تنزيلٌ من الرحمن الرحيم. كتابٌ فُصِّلَتْ آياتُه قرآناً عربياً لقوم يعلمون. ــــ إلى أنْ بلغ ــــ فإن أعرضوا فقل أنذرتكُم صاعقةَ مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمود»، فقال عتبة: حسْبُك ما عندك غير هذا؟ قال: «لا»؛ فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءَك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلِّمونه إلا كلّمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم، ثم قال: لا والذي نَصَبَها بَنِيَّة ما فهمتُ شيئاً ممَّا قال غير أنَّه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئاً ما قال غير ذكر الصاعقة.


وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم وزاد: وإِن كنتَ إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت. وعنده: أنَّه لما قال: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» أمسك عتبة على فيهِ وناشده الرَّحِم أن يكفَّ عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش، ما نرى عتبة إلا صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، إنطلقوا بنا إليه. فأتَوه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة، ما جئنا إلا أنك صبوْتَ إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك ن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يُكلِّم محمداً أبداً، وقال لقد علمتُم أني من أكثر قريش مالاً ولكنِّي أتيته ــــ وقصَّ عليهم القصة ــــ فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كِهانة، قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ــــ حتى بلغ ــــ فإنْ أعرضوا فَقُلْ أنذرتكُم صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود»؛ فأمسكت بفيهِ وناشدته الرَّحِم أنْ يكفَّ، وقد علمتم أنَّ محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب، كذا في البداية . وأخرجه أبو يَعْلَى عن جابر رضي الله عنه مثل حديث عبد بن حُمَيد. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص 75) بنحوه، قال الهيثمي : وفيه الأجلحُ الكِندي وثَّقه ابن مَعِين وغيره وضعفَّه النِّسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات. انتهى.

وأخرج أبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 76) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن قريشاً إجتمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فقال عتبة بن ربيعة لهم: دعوني حتى أقومَ إليه أُكلمه فإني عسى أن أكون أرفقَ به منكم، فقام عتبة حتى جلس إليه فقال: يا ابن أخي، أراكَ أوسطنا بيتاً، وأفضلنا مكاناً، وقد أدخلت على قومك ما لم يُدخل رجل على قومه مثله فإنْ كنت تطلب بهذا الحديث مالاً فذلك لك على قومك أنْ يُجمع لك حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تطلب شَرَفاً فنحن نشرِّفك حتى لا يكون أحد من قومك أشرف منك ولا نقطع أمراً دونك. وإن كان هذا عن ملمَ يصيبك فلا تقدر على النزوع منه بذلنا لك خزائننا حتى نُعْذَر في طلب الطبِّ لذلك منك. وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حم السَّجْدة، حتى مرَّ بالسجدة، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبة مُلْقٍ يده خَلْف ظهره حتى فرغ من قراءتها، ثم قام عتبة ما يدري ما يرجع به إلى نادي قومه، فلما رأوه مقبلاً قالوا: لقد رجع إليكم بوجه غير ما قام من عندكم، فجلس إليهم فقال: يا معشر قريش، قد كلمته بالذي أمرتموني به حتى إذ فرغت كلمني بكلام لا والله ما سمعت أذناي مثله قط وما دريت ما أقول له يا معشر قريش، فأطيعوني اليوم واعصوني فيما بعده واتركوا الرجل واعتزلوه، فوالله ما هو بتارك ما هو عليه، وخلُّوا بينه وبين سائر العرب، فإن يظهر عليكم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم، وإن يظهروا عليه تكونوا قد كُفيتموه بغيركم. قالوا: صبأت يا أبا الوليد. وهكذا ذكره ابن إسحاق بطوله كما ذكر في البداية ، وأخرجه البيهقي أيضاً من حديث عمر مختصراً، قال ابن كثير في البداية : وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه.

إصراره صلى الله عليه وسلم على الجهاد بما بعثه الله من الدعوة إلى الله
وأخرج البخاري عن المِسْور بن مَخْرَمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ــــ فذكر الحديث بطوله كما سيأتي في هذا الباب في الأخلاق المُفضية إلى هداية الناس، فيه: فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيل بن وَرْقاء الخُزاعي في نفر من قومه من خُزاعة ــــ وكانوا عَيْبَةَ نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهامة ــــ فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنَّا جئنا معتمرين، وإن نَهكَتْهُم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا مادَدْتهم مدة ويخلُّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيده وقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذنَّ أمر الله».
وعندي الطبراني عن المِسْور ومروان مرفوعاً: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، فماذا عليهم لو خلُّوا بيني وبين سائر العرب، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن الله أظهرني عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يقبلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهدهم على الذي بعثني الله حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة» كذا في كنز العمال.
وهكذا أخرجه ابن إِسحاق من طريق الزُّهْري، وفي حديثه: «فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفرد هذه السالفة»، كذا في البداية .

أمره صلى الله عليه وسلم علياً في غزوة خيبر بالدعوة إلى الإِسلام

وأخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأُعطِيَنَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسولَه ويحبه الله ورسولُه» قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غَدَوا على النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنفُذ على رِسْلَك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهُم إِلى الإسلام؛ وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه؛ فوالله لئن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم». وأخرجه أيضاً مسلم نحوه.

صبره عليه السلام في دعوة الحَكَم بن كَيْسان إلى الإِسلام
وأخرج ابن سعد عن المقداد بن عمرو قال: أنا أسرت الحَكَم بن كَيْسان، أراد أميرنا ضرب عنقه، فقلت: دَعْهُ نَقْدَمْ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإِسلام فأطالَ، فقال عمر: علام تكلِّم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا «آخر الأبد، دَعْني أضربْ عنقه وَيَقْدَم إلى أُمه الهاوية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقبل على عمر حتى أسلم الحكم، فقال عمر: فما هو إلا أن رأيته قد أسلم حتى أخذني ما تقدَّم وما تأخَّر، وقلت: كيف أردُّ على النبي صلى الله عليه وسلم أمراً هو أعلم به مني؟ ثم أقول: إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله، فقال عمر: فأسلم والله فحسن إسلامه وجهد في الله حتى قتل شهيداً ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنه ودخل الجنان.

وعنده أيضاً عن الزهري قال: قال الحكم: وما الإِسلام؟ قال: «تعبد الله وحده لا شريك له وتشهد أن محمداً عبده ورسوله»، فقال: قد أسلمت، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: «لو أطعتكم فيه آنفاً فقتلتُه دخل النار».

قصة إسلام وَحْشيّ بن حرب
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليّ وحشيِّ بن حرب قاتل حمزة يدعوه إلى الإِسلام، فأرسل إليه؛ يا محمد، كيف تدعوني وأنت عزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلقَ أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً؛ وأنا صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } (الفرقان: 70). فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد «إلا من تاب وآمن عمل عملاً صالحاً» فلعلِّي لا أقدر على هذا، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } (النساء: 48)، فقال وحشي: يا محمد، هذا أرى بعد مشيئة، فلا أدري هل يغفر لي أم لا فهل غير هذا؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر: 53)، قال وحشي: هذا نعم، فأسلم؛ فقال الناس: يا رسول الله، إنا أصبنا ما أصاب وحشي، قال: «هي للمسلمين عامّة». قال الهيثمي : وفيه أبْينُ بن سفيان ضعَّفه الذهبي.

وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنَوا فأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أنَّ لما عملنا كفارة، فنزل: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً } (الفرقان: 68)، ونزل: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}. وأخرجه أيضاً مسلم وأبو داود والنِّسائي، كما في العيني وأخرجه البيهقي بنحوه.

بكاء فاطمة على تغير لونه صلى الله عليه وسلم من أجل المجاهدة على ما بعثه الله

وأخرج الطبراني وأبو نُعيم في الحلية والحاكم عن أبي ثعلبة الخُشَني قل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزاة له، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين وكان يعجبه إذا قدم من سفر أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين يُثَنِّي بفاطمة ثم أزواجه ــــ فقدم من سفره مرة فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته على باب البيت فاطمة فجعلت تقبل وجهه ــــ وفي لفظ: فاه ــــ وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك؟» قالت: أراك يا رسول الله، قد شحب لونك، واخلولقت ثيابك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فاطمة لا تبك فإنَّ الله بعث أباك بأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَر ولا وبر ولا شَعَر إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغَ حيث يبلغ الليل» كذا في كنز العمال . وقال الهيثمي : رواه الطبراني، وفيه يزيد بن سِنان أبو فَرْوة وهو مقارب الحديث مع ضعف كثير ــــ إنتهى، وقال الحاكم : هذا حدث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، وتعقبه الذهبي فقال: يزيد بن سنان هو الرّهاوي ضعفَّه أحمد وغيره، وعُقْبة (أي شيخه) نَكِرة لا تعرف ــــ إنتهى، وذكر عُقْبة في اللسان فقال: قال البخاري في صحته نظر، وذكره ابن حِبَّان في الثقات. إنتهى.

حديث تميم الداريّ في انتشار دعوة الإِسلام

وأخرج أحمد والطبراني عن تميم الداريِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إِلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، غزّاً يعز الله به الإِسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر»، وكان تميم الداري يقول: عرفت ذلك من أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلَّ والصَّغَار والجزية. كذا في المجمع و . قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح. إنتهى. وأخرح الطبراني نحوه عن المقداد أيضاً.

حرص عمر على رجوع المرتدين إلى الإِسلام
وأخرج عبد الرزاق عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني أبو موسى بفتح تُسْتَر إلى عمر، فسأَلني عمر ــــ وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدا عن الإِسلام ولحقوا بالمشركين فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قوم قد ارتدُّوا عن الإِسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتُهم سِلْماً أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء، قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم، قال لي: كنت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن. كذا في الكنز . وأخرجه البيهقي أيضاً بمعناه.

وعند ملك والشافعي وعبد الرزاق وأبي عُبَيد في الغريب والبيهقي (ص 207) عن عبد الرحمن القاريِّ قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قِبَل أبي موسى رضي الله عنه، فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مُغَرِّبَة خبر؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال فما فعلتم به؟ قال: قرَّبناه فضربنا عنقه، قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهمَّ، إنِّي لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذا بلغني.
وعند مُسَدّد وابن عبد الحكم عن عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه قال: كتب عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه يسأله عن رجل أسلم ثم كفر، ثم أسلم ثم كفر، حتى فعل ذلك مراراً، أَيَقبلُ منه الإِسلام؟ فكتب إليه عمر أن أقبل منه الإِسلام ما قبل الله منهم، أعرض عليه الإِسلام فإن قبل فاتركه وإلا فاضرب عنقه، كذا في الكنز .

بكاء عمر على مجاهدة راهب
وأخرج البيهقي وابن المنذر والحاكم عن أبي عمران الجوني قال: مرّ عمر رضي الله عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت ولكني رحمته، ذكرت قول الله عزّ وجلّ: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً } (الغاشية: 3، 4) رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النار، كذا في كنز العمال .

الدعوة للأفراد والأشخاص دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبي بكر رضي الله عنه

أخرج الحافظ أبو الحسن الأطرابلسي عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان له صديقاً في الجاهلية ــــ فلقيه فقال: يا أبا القاسم، فُقدْتَ من مجالس قومك واتَّهموك بالعيب لآبائها وأُمهاتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني رسول الله أدعوك إلى الله»، فلما فرغ من كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الأخشَبَيْن أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر؛ مضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا، ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سَلَمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا رضي الله عنهم، كذا في البداية .
وذكر ابن إسحاق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحقٌ ما تقول قريش يا محمد من تَرْكِ آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى، إنِّي رسول الله ونبيُّه، بعثني لأُبلِّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته» وقرأ عليه القرآن، فلم يقرَّ ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدِّق. قال ابن إسحاق: حدَّثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحُصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما دعوتُ أحداً إلى الإِسلام إِلا كانت عنده كَبْوة وتردّد ونظر إلا أبا بكر، ما عَكَم عنه حين ذكرته ولا تردد فيه» ــــ عكم: أي تلبَّث.

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق في قوله: «فلم يقر ولم ينكر» مُنْكَرٌ، فإن ابن إسحاق وغيره ذكروا أنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لبَعْثة، كان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الخلق فكيف يكذب على الله؟ ولهذا بمجرد ما ذكر له أنَّ الله أرسله بادر إلى تصديق. ولم يتلعثم ولا عَكَم. وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه في حديث ما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخصومة وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله؛ فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟» مرَّتين؛ فما أُوذي بعدها. وهذا كالنص على أنَّه أول من أسلم، كذا في البداية (326 و 27).

دعوته صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ أعزَّ الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام»، فجعل الله دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، فبنى عليه الإِسلام وهدم به الأوثان. قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير مجالِد بن سعيد وقد وُثِّق ــــ انتهى. وعند الطبراني من حديث ثَوْبان ــــ فذكر الحديث كما سيأتي في باب تحمّل الصحابة الشدائد في سعيد بن زيد وزوجته فاطمة أخت عمر، وفيه: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضَبْعَيه وهزه وقال: «ما الذي تريد؟ وما الذي جئت؟» فقال له عمر: اعرض عليَّ الذي تدعو إليه، فقال: «تشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله»، فأسلم عمر مكانه وقال: أخرج. وعند أبي نعيم في الحلية عن أَسْلَمَ قال: قال لنا عمر رضي الله عنه: أتحبُّون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصَّفا، أهدِه»، قال: فقلت: أشد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّك رسول الله، قال: فكبَّر المسلمون تكبيرة سُمعت في طرق مكة ــــ فذكر الحديث. وأخرجه البزار أيضاً بسياقٍ آخر كما سيأتي.

دعوته صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه

أخرج المدائني عن عمرو بن عثمان قال: قال عثمان دخلت على خالتي أعودها ــــ أَرْوَى بنت عبد المطلب ــــ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إليه ــــ وقد ظهر من شأنه يومئذٍ شيء ــــ، فأقبل عليَّ فقال: «مالك يا عثمان؟» قلت: أعجب منك ومن مكانك فينا وما يقال عليك، قال عثمان: فقال: «لا إله إلا الله» ــــ فالله يعلم لقد اقشعررت ــــ ثم قال: «وفي السماءِ رزقُكم وما تُوعدونَ. فَوَرَبِّ السماءِ والأرضِ إِنَّهُ لَحَقٌ مثلَ ما أنَّكُم تَنْطِقُونَ»، ثم قام فخرج فخرجت خلفه فأسلمت، كذا في الإستيعاب .

دعوته صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
ذكر ابن إسحاق أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاء وهما ــــ أي النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها ــــ يصلِّين، فقل علي: يا محمد، ما هذا؟ قال: «دين الله الذي اصطفَى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وإلى عبادته، وأن تكفر اللات والعُزَّى»، فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتى أُحدِّث به أبا طالب؛ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشيَ عليه سرَّه قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي، إذ لم تسلم فاكتم، فمكث عليٌّ تلك الليلة، ثم إنَّ الله أوقع في قلب عليَ الإِسلام فأصبح غادياً إلى رسول الله حتى جاءه، فقال: ماذا عرضت عليَّ يا محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزَّى، وتبرأ من الأنداد»، ففعل عليٌّ وأسلم، ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم عليٌّ إسلامَه ولم يظهره، كذا في البداية .

عند أحمد وغيره عن حَبَّة العُرَني قال: رأيت علياً يضحك على المنبر، ولم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه، ثم قال: ذكرت قول أبي طالب، ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصلِّي ببطن نَخْلة فقال: ماذا تصنعان يا ابن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام فقال: ما بالذي تصنعان بأس ولكن لا تعلوني إستي أبداً، فضحك تعجباً لقول أبيه ثم قال: اللَّهمَّ لا أعترف عبداً من هذه الأمة عَبَدَكَ قبلي غير نبيك ــــ ثلاث مرات ــــ لقد صلّيت قبل أن يصلِّي الناس سبعاً. قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. انتهى.

دعوته صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عَبَسة رضي الله عنه
أخرج أحمد عن شدّاد بن عبد الله قال: قال أبو أمامة: يا عمرو بن عَبَسَة، بأيِّ شيء تَدَّعي أنك رُبْعُ الإِسلام؟ قال: إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً، ثم سمعت عن رجل يخبِّر أخباراً بمكَّة ويحدِّث أحاديث، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مستَخْفِياً، وإذا قومه عليه جُرَآء، تلطَّفت له فدخلت عليه فقلت: ما أنت؟ قال «أنا نبي الله»، فقلت: وما نبي الله؟ قال: «رسول الله» قال: قلت: آلله أرسلك؟ قال: «نعم» قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: «بأن يوحَّد الله ولا يشرك به شيء، وكسر الأوثان، وصلة الرحم»، فقلت له: من معك على هذا؟ قال: «حرٌّ وعبد» ــــ أو عبد وحر ــــ وإذا معه أبو بكر ابن أبي قُحافة وبلال مولى أبي بكر، قلت: إنِّي متبعك، قال: «إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ولكن إرجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي»، قال فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، فعلت أتخبَّر الأخبار حتى جاءَ رَكَبَة من يثرب، فقلت: ما هذا المكِّي الذي أتاكم؟ قالوا: أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك وحِيل بينهم وبينه، وتركْنا الناسَ إليه سراعاً، قال عمرو بن عبسة: فركبت راحلتي حتى قدمت عليه المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: «نعم، ألستَ أنت الذي أتيتني بمكة؟» قال قلت: بلى، فقلت: يا رسول الله، علمني ممَّا علمك الله وأجهل ــــ فذكر الحديث بطوله. وهكذا أخرجه ابن سعد عن عمرو بن عبسة مطوّلاً، وأخرجه أيضاً أحمد عن أبي أُمامة عن عمرو بن عبسة ــــ فذكر الحديث وفيه: قلت: بماذا أرسلك؟ فقال: «بأن تُوصل الأرحام، وتُحقَن الدماء، وتُؤمَن السبل، وتُكسر الأوثان، ويُعبد الله وحده لا يشرك به شيء». قلت نِعْمَ ما أرسلك به وأُشهدُك أني قد آمنت بك وصدَّقتك، أفأمكث معك أم ما ترى؟ فقال: «قد ترى كراهة الناس لما جئتُ به فامكث في أهلك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجي فائتني». وأخرجه أيضاً مسلم والطبراني وأبو نُعيم كما في الإصابة وبن عبد البَرِّ في الإستيعاب من طريق أبي أُمامة بطوله، وأبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 86).

دعوته صلى الله عليه وسلم لخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

أخرج البَيْهقي عن جعفر بن محمد بن خالد بن الزُبير عن أبيه ــــ أو عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ــــ قال: كان إسلام خالد بن سعيد ابن العاص قديماً وكان أول إخوته أسلم. وكان بَدْء إسلامه أنه رأى في المنام أنه وُقِفَ به على شفير النار... فذكر من سَعَتها ما الله أعلم به ــــ ويرى في النوم كأنَّ أباه يدفعه فيها، ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بحَقْوَيه لئلا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إنَّ هذه لرؤيا حق. فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال: أُريد بك خيرٌ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم اتْبَعْهُ فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإِسلام، والإِسلام يحجُزُك أن تدخل فيها، وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجْياد، فقال: يا محمد، إلامَ تدعو؟ قال: «أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر ولا يبصر، ولا ينفع ولا يدري مَنْ عَبدَه ممن لا يعبده». قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإِسلامه.

وتغيّب خالد وعلم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه فأُتي به فأنَّبه وضربه بمَقْرعة في يده حتى كسرها على رأسه، وقال: والله لأمنعنَّك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويكون معه؛ كذا في البداية . وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ــــ فذكره وفي حديثه: وأرسل أبوه في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه فوجدوه، فأتوا به أباه ــــ أبا أُحَيْحة ــــ فأنَّبه وبكَّته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: أتبعتَ محمداً وأنت ترى خلافَه قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيبهم من مضى من آبائهم؟ فقال خالد: قد صدق ــــ والله ــــ واتبعته، فغضب أبوه ــــ أبو أحيحة ــــ ونال منه وشتمه، ثم قال: إذهب يا لُكَعُ حيث شئت والله لأمنعنَّك القوت، قال خالد: فإن منعتني فإنَّ الله عزّ وجلّ يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلّمه أحدُ منكم إلا صنعت به ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه، ويكون معه. وأخرجه ابن سعد عن الواقدي عن جعفر بن محمد عن محمد بن عبد الله نحوه مطولاً. وهكذا ذكره في الإستيعاب من طريق الواقدي: وزاد: وتغيّب عن أبيه في نواحي مكَّة حتى خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فكان خالد أول من هاجر إليه. وأخرج الحاكم أيضاً عن خالد بن سعيد أنَّ سعيد ابن العاص بن أمية مرض فقال: لئن رفعني الله من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة ببطن مكة أبداً، فقال خالد بن سعيد عند ذلك: اللَّهمّ لا ترفعه، فتوفي في مرضه ذلك. وهكذا أخرجه ابن سعد .

دعوته صلى الله عليه وسلم لِضماد رضي الله عنه

أخرج مسلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم ضِماد مكة ــــ وهو رجل من أزْدِشَنوءَة ــــ وكان يرقي من هذه الرياح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إنَّ محمداً مجنون فقال: أين هذا الرجل؟ لعلَّ الله أن يشفيَه على يديَّ، فلقيت محمداً فقلت: إني أرقي من هذه الرياح وإنَّ الله يشفي على يديَّ من شاء فهلمَّ؛ فقال محمد: «إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهدِه الله فلا مضلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ــــ ثلاث مرات ــــ، فقال: والله لقد سمعتُ قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات، فهلُمَّ يدك أبايِعْك على الإِسلام.
فبايعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال له: وعلى قومك، فقال: وعلى قومي. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فمرُّوا بقوم ضِمَاد، فقال: صاحب الجيش للسريَّة: هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئاً؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مَطْهَرَة، فقال: ردَّها عليهم فإنهم قوم ضِمَاد. وفي رواية. فقال له ضماد: أعِدْ عليّ كلماتُك هؤلاء، فلقد بلغنَ قاموس البحر. كذا في البداية .

وأخرجه أيضاً النِّسائي والبَغَوي ومُسَدِّد في مسنده كما في الإِصابة . وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوّة (ص 77) من طريق الواقدي قال: حدّثني محمد بن سُلَيط عن أبيه عن عبد الرحمن العدوي قال: قال ضِمَاد: قدمت مكة معتمراً فجلست مجلساً فيه أبو جهل وعتبة بن ربيعة وأُميّة بن خَلَف، فقال أبو جهل: هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا، وسفَّه أحلامنا، وأضلَّ من مات، منا، وعاب آلهتنا؛ فقال أُمية: الرجل مجنون غير شكَ. قال ضماد: فوقعتْ في نفسي كلمتُه وقلت: إني رجل أعالج من الريح، فقمت من ذلك المجلس وأطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أُصادفه ذلك اليوم حتى كان الغد، فجئته فوجدته جالساً خلف المَقَام يصلِّي، فجلست حتى فرغ ثم جلست إليه فقلت: يا ابن عبد المطلب، فأقبل عليّ فقال: ما تشاء؟ فقلت: إنِّي أعالج من الريح، فإن أحببت عالجتك ولا تُكبِرنَّ ما بك فقد عالجت من كان به أشدّ مما بك فبرأ، وسمعت قومك يذكرون فيك خصالاً سيئة: من تسفيه أحلامهم، وتفريق جماعتهم، وتضليل من مات منهم، وعيب آلهتهم، فقلت: ما فعل هذا إلا رجل به جِنَّة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله». قال ضماد: فسمعت كلاماً لم أسمع كلاماً قطُّ أحسن منه فاستعدته الكلام فأعاد عليّ، فقلت: إلامَ تدعو؟ قال: «إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، وتخلع الأوثان من رقبتك، وتشهد أنِّي رسول الله». فقلت: فماذا لي إن فعلت؟ قال: «لك الجنة»، قلت: فإنِّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأخلع الأوثان من رقبتي وأبرأ منها، وأشهد أنَّك عبد الله ورسوله. فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عُلِّمت سوراً كثيرة من القرآن، ثم رجعت إلى قومي. قال عبد الله بن عبد الرحمن العدوي: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه في سريّة وأصابوا عشرين بعيراً بموضع واستاقوها، وبلغ عليَّ بن أبي طالب أنَّهم قوم ضِمَاد فقال: ردّوها إليهم، فرُدَّت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق